كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



كذا فسره ابن عباس.
وقال الحسن: هو نهي لولي الزوج الميت أن يمنعها من التزويج على ما كان عليه أمر الجاهلية.
وقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}.
يحتمل زناها الذي يجوز للرجل من أجله أن يهجرها ويزجرها، ويجوز أن يكون نشوزها، فهذا معنى الآية، وشرحنا أحكام الخلع في سورة البقرة.
وذكر عطاء الخراساني أن الرجل كان إذا أصابت امرأته فاحشة، أخذ ما ساق إليها وأخرجها، فنسخ ذلك.
وقال زيد بن أسلم في هذه الآية: {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهًا}: كان أهل يثرب إذا مات الرجل منهم في الجاهلية، ورث امرأته من يرث ماله، فكان يعضلها حتى يتزوجها أو يزوجها من أراد، فكان أهل تهامة يسيء الرجل صحبة امرأته حتى يطلقها، ويشترط عليها ألا تنكح من أراد حتى تفتدى منه ببعض ما أعطاها، فنهى اللّه المؤمنين عن ذلك.
قال زيد: وأما قوله: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}، فإنه كان في الزنا ثلاثة أنحاء وقال: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً}، فلم ينته الناس.
ثم نزل: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ} إلى قوله: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا}.
كانت المرأة الثيب إذا زنت فشهد عليها أربعة، عضلت فلم يتزوجها أحد، فهي التي قال اللّه عز وجل: {لا تَعْضُلُوهُنَّ... إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}.
قال زيد: ثم نزلت.
{وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما}، فهذين البكرين اللذين لم يتزوجا، فآذوهما أن يعرفا بذنبهما فيقال: يا زان، يا زانية، حتى يرى منهما توبة، حتى نزل السبيل فقال: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ}، فهذا للبكرين، فقال زيد: وكان للثيب الرجم.
وفي الذي ذكره زيد جواب عن قول القائل: إن قوله: «فَآذُوهُما» يجب أن يكون الحبس، فإن التعزير إذا أقيم وجب الإعراض عنه، فإنه قال: معنى الإيذاء له أن يعرف بالفاحشة تعبيرا فيقال: يا زان، يا زانية، إلى أن يتوبا فيسقط التعيير.
قوله تعالى: {وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}.
معناه مثل معنى قوله: {فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ}، وذلك توفية حقها من المهر والنفقة، وأن لا يعبس في وجهها بغير ذنب، وأن يكون مطلقا في القول، لا فظا ولا غليظا، ولا مظهر ميلا إلى غيرها.
قوله تعالى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}.
بيان استحباب الإمساك بالمعروف، وإن كان على خلاف هوى النفس.
وفيه دليل على أن الطلاق مكروه.
قوله: {وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ} الآية [21]:
يستدل به من أوجب المهر بالخلوة.
وقال قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ}، يعم المخلو بها وغيرها.
وقوله: {وَقَدْ أَفْضى}، يدل في حق المخلو بها وغيرها، والإفضاء حمله القراء على الوطء.
وقيل: أصله مأخوذ من الفضاء، وهو المكان الذي ليس فيه بناء حاجز عن إدراك ما فيه، فسميت الخلوة إفضاء لزوال المانع من الوطء.
ويقال في تقدير ذلك الأصل: أن لا يأخذ شيئا منها بعد أن ملكت، إلا أن الإجماع حصل في حق غير المخلو بها.
ويقال في الجواب عنه: بل الأصل أن المعوض متى عاد سليما إليها، فيرد كمال العوض إلى الزوج، إلا فيما استثنى من الوطأة الواحدة، أو الموت، أو بقاء نصف المهر عليها عند الطلاق، والكلام يتقاوم ويخرج عن معنى أحكام القرآن.
قوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ} الآية [22]:
اعلم أن النكاح في أصل اللغة بمعنى الجمع والضم، وهذا المعنى في الوطء أظهر، غير أنه في عرف الشرع للعقد، حتى إذا قال لامرأة أجنبية: إن نكحتك فعبدي حر وامرأتي طالق، تعلق الحنث بالعقد لا بالوطء دون العقد، ولا يجوز عند كثير من الأصوليين، أن يكون اللفظ محمولا على الحقيقة وعلى المجاز جميعا، فيراد المعنيان.
فإذا ثبت ذلك، فالّتي عقد الأب عليها، مراد الآية إجماعا، ودل عليه نظيره: {وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} الآية [23].
وسيقت الآيات بعدها لتحريم العقد، وقال: {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ}.
ولا يجوز أن يريد به الوطء دون النكاح، فإن ذلك محرم لا بهذه العلة، بل الزنا محرم على الإطلاق، وإنما يكون قد حرم ما كان تحريمه لأجل نكاح الأب، وهو عقد نكاح الابن، وهذا لا يشك فيه عاقل.
ودل على ذلك أيضا قوله: {وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} الآية [23]. معناه: دخلتم بهن من نسائكم، ولا يكون ذلك إلا في النكاح.
وليس يخفى على عاقل، أن تحريم منكوحة الأب على الابن، ليس للتغليظ على الابن بحرام صدر من الأب، بل هو لتعظيم الأب في منكوحة بمثابة أم لابنه، وامرأة ابنه بمثابة بنت له، فإذا كان ذلك بطريق الكرامة والمحرمية، فلا يقتضي الزنا المجرد ذلك.
وذكر الرازي أن اللّه تعالى غلظ أمر الزنا بإيجاب الرجم تارة، وبإيجاب الجلد أخرى، فمن التغليظ إيجاب التحريم، وذكر هذا المعنى في شرح معنى هذه الآية، وذلك غلط فاحش منه، فإنه لا يتوهم التغليظ على الابن في زنا الأب، مع أن المزنية غير محرمة على الزاني، فهذا تمام هذا المعنى.
ثم إن الرازي قال:
زعم الشافعي أن اللّه تعالى لما أوجب الكفارة على قاتل الخطأ، كان قاتل العمد أولى بذلك، إن كان حكم العمد أعظم من حكم الخطإ، ألا ترى أن الوطء لا يختلف حكمه أن يكون بزنا أو بغير الزنا، فيما يتعلق به من فساد الحج والصوم؟ فكذلك ما نحن فيه.
وهذا الذي ذكره غاية الجهل، فإن الشافعي لما قال ذلك في حكم الكفارة التي محلها القتل، الذي هو محظور غير مستحق، ولذلك لا تجب في القتل المباح، وأما المحرمية فإنها كرامة ونعمة، وتعلقت في الأصل بالنكاح الصحيح، قال الشافعي:
الكفارة في الأصل وجبت لمعنى كرامة في الآدمي، وثبتت في النكاح، وأثبتت في حق الابن بسبب نكاح الأب، إنما أثبتت لمعنى، كان الزنا أولى بذلك المعنى.
فالذي ذكره يدل على أنه لم يفهم معنى كلام الشافعي رضي اللّه عنه، ولم يميز بين محل ومحل، ولكل مقام مقال، ولتفهم معاني كتاب اللّه رجال، وليس هو منهم، وعلى هذا فساد العبادات، فإن فسادها للجنايات على العبادة، والزنا في هذا المعنى مثل الوطء بالنكاح.
وقد اعترف بعض من ادعى الإنصاف منه، أن المحرمية لا تثبت بطريق التغليظ، فإن هذا النمط من الكلام باطل، فتكلف في الزنا جهة رأى أنه يقتضي الكرامة من تلك الجهة، وتلك الجهة باطلة قطعا ولسنا لنذكرها.
وذكر الشافعي مناظرة بينه وبين مسترشد طلب الحق منه في هذه المسألة، فأوردها الرازي متعجبا منها ومنبها على ضعف كلام الشافعي فيها، ولا شيء أدل على جهل الرازي، وقلة معرفته بمعاني الكلام من سياقته لهذه المناظرة، واعتراضاته عليها، ونحن نبين كلام الشافعي رضي اللّه عنه:
اعلم أنكلام الشافعي دل أولا، على أن اللّه تعالى ما أثبت المحرمية في زوجة الأب كان الوطء أو لم يكن في حق الابن إلا كرامة ونعمة، ولا يتهيأ لعاقل أن يقول إن الشرع يجعل زوجة الإنسان محرما لابنه حتى يجوز له أن يخلو بها، ويسافر معها، ويراها بمثابة أمه من الرضاعة والنسب بطريق العقوبة، وإذا تقرر ذلك قال الشافعي رضي اللّه عنه:
فقال لي قائل: لم قلت: إن الحرام لا يحرم الحلال؟
قلت: قال اللّه تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ}.
وقال: {وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ} إلى قوله: {دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}، أفلست تجد التنزيل إنما يحرم من سمى بالنكاح أو الدخول في النكاح؟
قال: بلى.
قلت: أفيجوز أن يكون اللّه تعالى حرم بالحلال شيئا، وحرمه بالحرام، والحرام ضد الحلال؟ والنكاح مندوب اليه، مأمور به، وحرم الزنا فقال: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا}.
فهذا تمهيد الدلالة من إمامنا الشافعي رضي اللّه عنه، وأشار بها إلى أن الشارع حرم زوجة الأب من غير دخول مثلا على الابن، وإذا ثبت ذلك، فإذا أردنا فهم المعنى منه لنلحق به ما سواه، لم يكن فهم معنى التغليظ، وإنما يفهم منه معنى الكرامة، والكرامة إنما تليق بسبب مباح أو مندوب اليه، فلا يتصور فهم معنى الكرامة في إثبات المحرمية، وحليلة الأب والابن وأم المرأة، ثم يقاس عليه الزنا الذي لا يليق به الكرامة، فإنهما ضدان، فلا يتعرف من أحدهما ضد مقتضاه في الآخر بطريق الاعتبار والقياس، وهذا في نظر أهل الأصول والتحقيق من الضروريات، فقال هذا الجاهل- أعني الرازي- تلا الشافعي آيتين، وليس فيهما أن التحريم لا يقع بغيرهما، كما لا ينفي الحلال إيجاب التحريم بالوطء، بملك اليمين وبسط القول فيه ومعناه هذا، ولم يعلم هذا الجاهل معنى كلام الشافعي رضي اللّه عنه، فاعترض عليه بما قاله، وعجب الناس من ذلك وقال:
في هذه المناظرة أعجوبة لمن تأمل، فكان كما قال القائل:
وكم من عائب قولا صحيحا ** وآفته من الفهم السقيم

ويعلم اللّه تعالى، أن الذي حمله لا يلتبس على من شذا من التحقيق طرفا، غير أن فرط التعصب يعمي عين البصيرة بالمرة، وظن الجاهل أن الشافعي رضي اللّه عنه، رأى القياس ممتنعا في الضدين مطلقا، وأنه لم ير قياس الشيء على خلافه، وقال:
المتضادان قد يجتمعان في وجوه، وكفاه جهلا وخزيا أنه لم يفهم هذا الكلام الذي ذكره الشافعي على وضوحه.
ثم كلام الشافعي، قال له: أجد جماعا وجماعا، فلعل السائل ظن أن هذا الكلام الحكيم معلق على صورة الجماع، مثل الغسل وفساد العبادات، فقال الشافعي:
هذا جماع لو فعلت حمدت عليه، وذلك لو فعلت رجمت به، فرده إلى المعنى الأول.
أي إن العاقل لا يفهم من تحريم زوجة الأب بنفس العقد على تقدير أنها كرامة، ولا من تحريم حليلة الابن مذكورا بلفظ الحليلة مثل تلك الكرامة، فيما هو محظور محض، سماه اللّه تعالى مقتا وفاحشة، وقال: {وَساءَ سَبِيلًا}.
وقال له السائل: هل توضحه بأكثر من هذا؟
قال: نعم، أفنجعل الحلال الذي هو نعمة، قياسا على الحرام الذي هو نقمة؟
والعجب أن الرازي ذكر هذا وقال:
هذا تكرار المعنى الأول، ولم يفهم مقصوده مع هذا الإيضاح، ثم ألزم وطء الحائض، والوطء في النكاح الفاسد، والجارية المجوسية، وأن الوطء في هذه المواضع بمنزلة نفس النكاح، مع أن ذلك مزجور عنه محرم، وهذا لا يخفي وجه الجواب عنه، لما تشتمل عليه هذه الوطئات من معنى الحرمة واقتضائها للكرامة في أمر النسب والعدة، وتمام الجواب عنه مذكور في مسائل الخلاف، غير أن مقصودنا الآن فهم معنى الآية التي سيقت لبيان مجرد العقد في حق الابن، وصار العقد المجرد مرادا به بالإجماع، كيف يمكن أن يفهم منه الزنا؟